سورة الذاريات - تفسير تفسير القشيري

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الذاريات)


        


قوله جلّ ذكره: {إِنَّ المُتَّقِينَ فِى جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنينَ}.
في عاجلهم في جنَّتِ وَصْلِهم، وفي آجلهم في جنّاتِ فَضْلِهم؛ فغداً درجات ونجاة، واليومَ قرُبات ومناجاة، فما هو مؤجَّلٌ حظُّ أنفسِهم، وما هو معجّلٌ حقُّ ربِّهم. هم آخذين اليوم ما آتاهم ربهم؛ يأخذون نصيبه منه بِيَدِ الشكر والحمد، وغداً يأخذون ما يعطيهم ربُّهم في الجنة من فنون العطاء والرِّفد.
ومَنْ كان اليومَ آخذه بلا وساطة من حيث الإيمان والإتقان، وملاحظة القسمة في العطاء والحرمان. كان غداً آخذه بلا وسطة في الجنان عند اللقاء والعيان. {إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَالِكَ مُحْسِنِينَ}؛ كانوا ولكنهم اليوم بانوا ولكنهم بعد ما أعدناهم حصلوا واستبانوا....فهم كما في الخبر: «أعبد الله كأنك تراه...». قوله جلّ ذكره: {كَانُواْ قَلِيلاً مِّنَ الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ}.
المعنى إمَّا: كانوا قليلاً وكانوا لا ينامون إلا بالليل كقوله تعالى: {وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِىَ الشَّكُورُ} [سبأ: 13] أو: كان نومُهم بالليل قليلاً، أو: كانوا لا ينامون بالليل قليلاً.
{وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرونُ}: أخبر عنهم أنهم- مع تهجدهم ودُعائهم- يُنْزِلون انفسَهِم في الأخار منزلةَ العاصين، فيستغفرون استصغاراً لِقدْرِهم، واستحقاراً لِفِعْلهم.
والليلُ للأحباب في أُنْس المناجاة، وللعصاة في طلب النجاة. والسهرُ لهم في ليلايهم دائماً؛ إمّا لفَرْظِ أَسَفٍ أولِشدَّةِ لَهَفٍ، وإمَّا لاشتياقٍ أو لفراقٍ- كما قالوا:
كم ليلةٍ فيك لا صباحَ لها *** افنْيَتُهَا قابضاً على كبدي
قد غُصَّت العينُ بالدموعِ وقد *** وَضَعْتُ خدي على بنان يدي
وإمّ لكمال أُنْسٍ وطيب روح- كما قالوا:
سقى اللَّهُ عيشاً قصيراً مضى *** زمانَ الهوى في الصبا والمجون
لياليه تحكي انسدادَ لحاظٍ *** لَعْينِيَ عند ارتداد الجفون


قوله جلّ ذكره: {وَفِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌ لِّلسَّائِلِ وَالمَحْرُومِ} السائلُ هوالمُتكفِّف، والمحرومُ هو المتعفِّف- ويقال هو الذي يحرم نفسه بترك السؤال.. هؤلاء هم الذين يُعْطُون بشرط العلم، فأمَّا أصحابُ المروءة: فغير المستحق لمالهم أَوْلَى من المستحق. وأما أهل الفترة فليس لهم مالٌ حتى تتوجه عليهم مطالبة؛لأنهم أهل الإيثار- في الوقت- لكلِّ مايُفْتَحُ عليهم به.
قوله جلّ ذكره: {وَفِى الأَرْضِ ءَايَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ وَفِى السَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}.
كما أَنَّ الأرضَ تحمل كلَّ شيء فكذلك العارف يتحمَّل كلَّ أحد.
ومَنْ استثقل أحداً أو تبرَّمَ برؤية أحدٍ فلِغَيْبته عن الحقيقة، ولمطالعته الخَلْقَ بعين التفرقة- وأهلُ الحقائق لا يتصفون بهذه الصفة.
ومن الآيات التي في الأرض أنها يُلْقَى عليها كلُّ قذارةٍ وقمامة- ومع ذلك تُنْبِتُ كلَّ زَهْرٍ ونَوْرٍ ,كذلك العارفين يتشرب كلَّ ما يُسْقَى من الجفاء، ولا يترشح إلاَّ بكل خُلُقٍ عَلِيّ وشيمةٍ زكيَّة.
ومن الآيات التي في الأرضِ أنّ ما كان منها سبخاً يُتْرَكُ ولا يُعَمَّر لأنه لا يحتمل العمارة- كذلك الذي لا إيمانَ له بهذه الطريقة يُهْمَل، فمقابلته بهذه الصفة كإلقاء البذر في الأرض السبخة.
{وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ}: أي وفي أنفسكم أيضاً آيات، فمنها وقاحتها في همتها، ووقاحتها في صفاتها، ومنها دعواها العريضة فيما ترى منها وبها، ومنها أحوالها المريضة حين تزعم أَنَّ ذَرّةً أو (...) بها أومنها.
{وَفِىلسَّمَآءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ}: أي قسمة أرزاقكم في السماء، فالملائكة الموَكَّلون بالأرزاق ينزلون من السماء.
ويقال: السماء هاهنا المطر، فبالمطر ينبت الحَبُّ والمرعى.
ويقال: على رب السماء أرزاقكم لأنه ضَمنَها.
ويقال: قوله: {وَفِى السَّمَآءَِ رِزْقُكُمْ} وها هنا وقف ثم تبتدئ: {وَمَا تُوعَدُونَ}.


قوله جلّ ذكره: {فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَآ أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ} أي: إنَّ البعثَ والنشرَ لَحَقٌّ.
ويقال: إنَّ نصري لمحمدٍ ولديني، وللذي أتاكم به من الأحكام- لحقٌّ مثل ما أنَّكم تنطقون.
كما يقال: هذا حقٌّ مثل ما أنك ها هنا.
ويقال: معناه: إنَّ اللَّهَ رازقُكم- هذا القولُ حقٌّ مثلما أنكم إذا سُئِلْتُم: مَنْ رَبُّكم؟ ومَنْ خالقكم؟ قلتم: الله.... فكما أنكم تقولون: إن الله خالق- وهذا حقٌّ..... كذلك القولُ أَنَّ اللَّهَ رازقٌ- هو أيضاً حقٌّ.
ويقال: كما أنَّ نُطْقَكَ لا يتكلم به غيرُك فرزقُكَ لا يأَكلُه غيرك.
ويقال: الفائدة والإشارة في هذه الآية أنه حال بزرفك على السماء، ولا سبيلَ لك إلى العروج إلى السماء لتشتغلَ بما كلفك ولا تعنَّى في طلب ما لا تصل إليه.
ويقال: في السماء رزقكم، وإلى السماء يُرْفَعُ عَمَلُكُم.... فإنْ أرَدْتَ أنْ ينزلَ عليكَ رزقُك فأَصْعِدْ إلى السماءِ عمَلَكَ- ولهذا قال: الصلاةُ قَرْعُ باب الرزق، وقال تعالى: {وَأَْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْئَلُكَ رِزْقاً} [طه: 132].
قوله جلّ ذكره: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ}.
قيل في التفاسير: لم يكن قد أتاه خبرُهم قبل نزول هذه الآية.
وقيل: كان عددُهم اثني عشر مَلَكاً. وقيل: جبريل وكان معه سبعة. وقيل: كانوا ثلاثة.
وقوله: {الْمُكْرَمِينَ} قيل لقيامه- عليه السلام- بخدمتهم. وقيل: اكرم الضيفَ بطلاقة وجهه، والاستبشار بوفودهم.
وقيل: لم يتكلَّف إِبراهيمُ لهم، وما اعتذر إليهم- وهذا هو إكرام الضيف- حتى لا تكون من المضيف عليه مِنَّةٌ فيحتاج الضيف إلى تحملها.
ويقال: سمّاهم مكرمين لأن غير المدعوِّ عند الكرام كريم.
ويقال: ضيفُ الكرام لا يكون إلا كريماً.
ويقال: المكرمين عند الله.

1 | 2 | 3 | 4